أمنة أحراث
لم تعد تستوعب هذه المدينة مآلها الذي حولها من حاضرة أندلسية جميلة تعبق بريح الحضارة اللامتناهية لبادية عشوائية غزت المفارش أجمل و أرقى شوارعها، و لا لتسيير غير مهيكل أرغمها الخضوع لانقطاع الماء عن بيوتها لساعات و ساعات كل يوم حتى ارتسم الشؤم و السخط على محيا كل من يقطنها، فباتت الحسرة على هذه الثروة كلما اجتذب الطرفين الحديث عنها هي لغو الجميع، و العيب كل العيب أن تشح هذه المادة من مدينة اقترن اسمها بالعيون و هي "تطاون". و اليوم كي يكتمل مشهد البداوة بكل تجلياته سيأتي "الكارو" او "الحنطور" أو باسم جميل "العربات السياحية". تطوان ياسادة لم يكن بها هذا النوع من العربات على مر العصور لأنها لا تصلح أن تتجول بين "سبع لواوي" أو "الزنقة الدوييقة" أو حتى "السلوقية دسيدي الصعيدي"، و لا حتى في "شارع محمد الخامس" حيث ينزلق الناس بكل سهولة و يسقطون فما بال الدواب التي ستمر من هناك إن كان الهدف بالفعل سياحيا. تطوان مرتع الأدباء و الحكماء، إحدى أهم المدن التاريخية التي شرفت وجه هذا البلد بلباقة أهلها و حسن هندامهم، و رقي سلوكهم، و جمالية أزقتها ونظافتها الغير معهودة في سائر البقاع، تحولت بقدرة قادر لوكر اللصوص و الرعاع الذين يشتمون و يسبون و يسمعونك ما حسن اختياره من الكلمات النابية دون رغبتك بعدما استولوا على الممتلكات العمومية دون ردع أو زجر و بعدما نظمت إليها هجرات صيفية لكل أنواع المنحرفين و المتسولين الذين اخترقوا هيبتها ووقارها و كأنهم من ذلك التاريخ المجيد منتقمون و عليه حاقدون. و ها هي الفرصة الآن سانحة للحمير و البغال كي يجدوا لهم مكانا بين هؤلاء لملأوا ما فاض من نقائها بروثهم و فضلاتهم حتى تصبح الحقل الخصب للمواد البيولوجية التي تعيد شارع " إنشانتي" و غيره لحقول الفدان و تقسيم الزرع كما كانت علية في القرون الوسطى. فبعدما كانت تطوان أولى المدن للقطار هاهي اليوم تعوض بالدواب للربط بين شوارعها. صفقة "الكوتشي" تنضاف لصفقات مربحة أفقدتنا جمالية شوارعنا و قيمتها التاريخية، و ستفتح الباب حتما أمام حشود مهاجرة جديدة لأنه لن يتواجد بين أهل هذه المدينة من سيتفق على اقتناء هذه العبرات من الغيورين عليها بعمق و سيترك المجال أمام الساخطين عليها كي يأتوا من كل حدب و صوب و يمروا بشوارعها بكل فخر و اعتزاز و في قرارة أنفسهم القطع النهائي مع ما كنا به معتزون. لك الله ياتطوان.