أ . د . قطب الريسوني - جامعة الشارقة

اليوم.. جنازةُ البهاءِ، والرُّواء، والنَّطف المعسول..
اليوم.. يودِّع النَّثرُ حبيبه الــمُجتبى..
اليوم.. يودِّع القلمُ صفيَّه، ونجيَّه، وصاحبَه الأوَّل..
اليوم .. يُصلّي الناسُ على نعشهِ بباب المقابر.. وأصلّي _ أنا _ على كلماتهِ ببابِ الأدبِ الجميل..
اليوم .. يبكي الناس أديبَهم اللّبيب.. وأبكي _ أنا _ باعمّو الحبيب..
اليوم.. تشيّعُهُ حورياتُ خيال.. وتستقبلُهُ _ بإذن ربّه _ حوريّاتُ جِنان..
اليوم .. حسرتي حسرتان: حسرةُ الابن الذي تعلّق بالأب الثاني منذ فجر طفولته .. وحسرةُ التِّلميذ الذي تعلَّم من أستاذه درسَ البيان والتَّبيين في ( ومضاته )، و ( نيازكه )، و( وشيه وحليِّه )، و( جذوته وريحه )، و( كرّه وفرّه )... وما شئت من العناقيد التي كانت _ دائماً _ بيتَ النَّحل، ومستودعَ السكّر ..!
أتراني أرثيكَ أم أرثي شطراً من طفولتي، وشبابي، وأدبي .. ؟ أتراني أرثيكَ أم أرثي جيلاً من الكتاب كانوا من الأدب على عهدٍ مرعيٍّ وودادٍ موصول ؟ أتراني أرثيكَ أم أرثي عريشةَ حِنّاء ونافورةَ ماء ؟؟!!
كيف لي أن أطويَ أجوازَ الفضاء، مقصوصَ القوادم والخوافي، لأشيِّع موكبكَ الجنائزيَّ، وأقفَ على مرقدكَ باكياً داعياً.. ؟ لكنَّ للدعاء جناحاً زفَّافاً، ومطرةً راويةً، إذا قيّض الله تعالى له إجابةً وحسنَ متقبَّل.. فاللهم ارحم أديبَ تطوان حسن عبد الكريم الوراكلي، وعوّض العربيَّةَ عنه خير العوض..
اللهم إنه قد وفد على ساحتك، والناس يشهدون : " حسن الطباع.. حسن اليراع.."، فأكرمهم في ظنِّهم ودعائهم، وأنزله حيث أنزلتَ عبادك الصَّالحين، ومتِّعه بلقاء أحبابه في دار بحبوحةٍ، ونَعيم، ونُعمى..
اللهم إنه قد أحبَّ لقاءَكَ باسماً، متهلِّلاً، جَذْلان، فاجعل مقعده بين أفوافِ روْحك، وأنهارِ رَغَدِك، وحوريات جِنانك..
وما زال في القلم قطرةٌ:
ماتَ حسن.. وحِسانُ كلماته لن تموتُ : نسبٌ ممتدٌّ، وعطاءٌ غيرُ مجذوذ....